أقلام حرة
أقلام حرة

أبطال الحقل وجبل بن عواس بين همتين: انجاز شق الطريق واستكمال طريق التحرير الناجز

كتب/عادل شمسان

في الأزارق، حيث تنحني السحب على رؤوس الجبال، ويشتد البرد حتى يلامس العظام، وقف رجال من أبناء الحقل وجبل بن عواس ليكتبوا صفحة من نور. ليست هذه الحكاية عن طريق ممول من جهات رسمية ولا منظمات داعمة ؛ بل عن عزائم بشر أصروا أن يجعلوا المستحيل ممكناً، وأن يفتحوا لدروب الحياة منفذاً وسط صخور صامتة لا تلين إلا لمن يشبهون الجبال صلابة.

 

هناك، في أقاصي الليل، حين يسكن كل شيء، كانت معاول الهمة تضرب صخور الظروف القاسية؛ وكأنها تدق بوابة الغد. شباب جاءوا من صميم الأرض، قلوبهم معلقة بقضية شعب الجنوب، وعيونهم تلمع بصدق الإيمان وقوة الإرادة وحب التشييد والبناء، يعملون بجدارة المتطوع لا بواجب المأجور، ويحتفلون في الذُرى بعيد الاستقلال المجيد وبإستكمال مشروع إنجاز شق طريق الحياة. 

 

ففي ليلة الثلاثين من نوفمبر، حين اشتد البرد، لم ترتجف عزائمهم. بل أشعلوا شعلة عيد الاستقلال المجيد – عيد الثلاثين من نوفمبر على القمم، لتتوهج نار الحرية من جديد، وكأنها تقول للكون: ما زال في الجنوب رجال يكتبون ملاحمهم وحدهم، ويصنعون الكرامة حجراً فوق حجر.

 

هؤلاء الشباب لم يبخلوا بعرقهم، ولم يتواروا عن مشقة الطريق، بل مزجوا تعب الليل بفرح الإنجاز، وحرارة الإيمان ببرد الشتاء، وتحوّلوا إلى قصة تُروى عن جيل اعتاد أن يقدّم لا أن يطلب، وأن يبادر لا أن ينتظر.

 

كيف لا… وهذه المنطقة نفسها عرفتها ميادين النضال، وقد أروت تربة الوطن بدماء رجالها، فلم يبخلوا حين نادى الجنوب؟! واليوم يستمر الرجال ليكملوا مسيرة التنمية، ولكن بمعول البناء هذه المرة، ليؤكدوا أن الدفاع عن الوطن لا يكون بالسلاح وحده، بل أيضاً ببناء الدرب الذي يعيد الحياة إلى الناس.

 

إنه مشهد يقترب من الأسطورة: شباب ينفضون غبار الوهن كل صباح، ويواصلون العمل كل مساء، حتى بلغوا نهاية الطريق، فوقفوا على القمة يعلنونها عيدين؛

عيد إنجاز لمشروعٍ ولِد من الإرادة، وعيد استقلال يزداد رسوخاً في الأرواح.

 

فطوبى لهؤلاء الرجال، وطوبى لمشايخهم وقيادتهم، وسلامٌ على تلك الجباه السمراء المشرّبة بنور الكفاح…

وسلامٌ على أياديهم التي حفرت الجبل لتعبِّد للناس طريق الحياة.

وسلام على وطن يُبنى بهم ويقف عليهم.

 

هنيئاً لكم هذا العمل، وجعل الله ما قدمتم في موازين حسناتكم، فما تصنعونه اليوم ليس طريقاً فحسب، بل خطوة في درب الكرامة… ودرب الاستقلال المجيد.

              **