تحليل لسفير بريطاني سابق لدى اليمن

الحوثيون تحدوا النظام الدولي ولا بد من سحقهم

تقارير وحوارات
قبل أسبوع 1 I الأخبار I تقارير وحوارات

سلط تحليل مطول أعده سفير بريطاني سابق لدى اليمن ، الضوء على الخطورة التي باتت تشكلها جماعة الحوثي في اليمن على العالم وحركة ملاحته البحرية ، ومدى كارثية التهاون الدولي في التصدي للجماعة.

 

 

 

ونشرت مجلة "لونج وار جورنال" الأمريكية، تحليلاً مطولاً أعدّه "إدموند فيتون براون" الذي شغل منصب سفير بريطانيا لدى اليمن بين الفترة نوفمبر 2014 إلى يناير 2017 ، قرأ أبعاد كواليس مشاورات وحوارات ومفاوضات وأحداث مع مليشيا الحوثي، خلال العشر السنوات الماضية.

 

 

 

وعرج التحليل على الجوانب العسكرية والإنسانية، وكيف يتاجر الحوثيون بالقتلى والمواطنين المتضررين في الملف الإنساني، لتعزيز قدراتها العسكرية، حد بلغ بهم الغرور تحدي النظام الدولي، دون أن يغفل التحليل عن ضغوط مورست على السعودية لإخراجها من المشهد اليمني وتسليم اليمن للحوثيين، وفوق ذلك الدفع إن لزم الأمر بغية حصولها على الحماية.

 

 

 

براون أكد أن "الحوثيين مصدر قلق لكل من يهتم برفاهية الشعب اليمني واستقرار شبه الجزيرة العربية والأمن في البحر الأحمر وباب المندب" ، لافتاً الى انه بعد ان قضى "الكثير من الوقت في التفاوض مع الحوثيين" لابد له أن يحذر "من أن هذه (الحركة الحوثية) ليست حركة تحريرية، بل هي جماعة شديدة العنف والقسوة".

 

 

 

وأستذكر "براون" في هذا الشأن "لحظتين من الوضوح الوحشي نبعت من كبار قادة الحوثيين"، حيث قال "الأولى كانت عندما أخبروني، قبل وقت طويل من قيامهم بذلك بالفعل، أنهم كانوا في تحالف مصلحة فقط مع علي عبد الله صالح، وبمجرد أن يتوقف عن كونه مفيدا لهم، فسوف يقتلونه".

 

أما الثانية، حسب ما أورده في مقاله التحليلي (عندما أخبروني أنهم سينتصرون حتماً في اليمن في النهاية (...) "لأنكم تهتمون، ونحن لا نهتم (...) أنتم تهتمون بموت اليمنيين... نحن لا نبالي بعدد القتلى منهم (...) فعندما يقتل عدد كافٍ من اليمنيين، ستتوسلون إلينا لإحلال السلام".

 

وأضاف: "ففي وقت لاحق، عندما رأيت قناصتهم في عدن وتعز يقتلون المدنيين من أجل المتعة، والأطباء والممرضات في مستشفى يختبئون تحت إطارات النوافذ لممارسة أعمالهم خوفا من قناص حوثي متمركز على سطح أحد المباني كان يطلق النار على أي شخص يظهر نفسه من النافذة - عادت كلمات من حاورني آنذاك إلى ذهني".

 

تسليم اليمن للحوثيين

 

"براون"، أشار الى خوضه اثناء فترة عمله سفيراً باليمن مع الجماعة الحوثي سلسلة لقاءات وحوارات، كانت أبرزها في عمان والكويت وجنيف، واستطاع أن يقرأ بُعدها الطائفي وتركيبتها الأيديولوجية وسيكولوجية الحركة على البعدين المحلي والدولي، وكيف تستثمر موت اليمنيين بالضبط.

 

وأشار إلى أن تقدم مليشيا الحوثي في المحافظات بعد اجتياح صنعاء، "بلغ أقصى مداه في عام 2015 قبل أن تتمكن الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية من دفعهم إلى منتصف الطريق نحو صنعاء، واستقرت خطوط المعركة إلى حد كبير على مدى العقد الذي أعقب ذلك".

 

 

على مدى السنوات العشرين الماضية، تكبد الحوثيون خسائر بشرية فادحة من القتال مع خصوم مختلفين، بمن في ذلك السعوديون، لكنه لم يحدث شيء لإقناعهم بالتنازل أو تعديل نهجهم، حسب قوله. فهم يستفيدون من ارتفاع خسائرهم البشرية للمساومة في الورقة الإنسانية وجني المكاسب الميدانية.

 

كما أن قادتهم الميدانيين اعتادوا "على الثروة المتراكمة والخوف الناتج عن اقتصاد الحرب ، كما أصبحت علاقاتهم مع إيران وحزب الله اللبناني أوثق حيث اعتمدوا على كليهما في الإمدادات العسكرية والتدريب والدعم الفني".

 

وتطرق إلى أن الحوثيين "شجعوا الدعاية ضد السعوديين وحلفائهم الغربيين لتحقيق نتائج طيبة" بالنسبة لهم. خصوصا وقد أدركت السعودية أن "الحرب كانت غير شعبية في الغرب"، فافتقرت إلى "الدعم للضغط من أجل تحقيق النصر للحكومة المعترف بها دوليا. 

 

وبدلاً من ذلك، أصبحت حريصة بشكل متزايد على الخروج من الصراع، حتى لو كان ذلك يعني تسليم اليمن للحوثيين ودفع أموال الحماية لتركهم في سلام".

 

إحياء التحالف السعودي

 

بروان اثار تساؤلاً هاماً، حيث يرى بانه في ظل تشكيل الحوثيين "تهديدا مزمنا حقيقيا لبحر العرب ويعتزمون احتجاز حرية الملاحة في البحر الأحمر رهينة لأي مصلحة تكتيكية يختارون متابعتها، فهل يصبح من المحتم محاولة إحياء وتمكين التحالف السعودي مع الحكومة اليمنية لقمعهم؟".

 

 

 

وللتأكيد على أن المفاوضات مع مليشيا الحوثي بعيداً عن الحسم، لن تأتي ثمارها، مستشهدا بتجارب عديدة أجراها بنفسه، واستحضرها -في سياق تحليله- من ارشيف ذكرياته معها خلال عمله.

 

 

 

وذكر أن من بين ذلك "المحادثات المروعة" التي جاءت في وقت مبكر للغاية من وجوده في مسقط، حينما سافر "لتسهيل الاتصال بين الولايات المتحدة والحوثيين، الذين كانوا في ذلك الوقت على استعداد للتحدث إلى البريطانيين ولكن ليس الأمريكيين".

 

 

 

وأوضح أن سلطنة عمان استضافت جلستين من المحادثات بينه وكبار الحوثيين، بلغت نحو عشر ساعات من المناقشات المكثفة والمفاوضات باللغة العربية" ، نجح خلالها في "تأسيس الاتصال بين الولايات المتحدة والحوثيين بالفعل قبل وقت طويل من محادثات السلام في يونيو 2015 في جنيف، مؤكداً "جربنا كل شيء لتحقيق السلام ولكننا فشلنا".

 

 

 

ويضيف : ثم جاءت محادثات الكويت في ربيع وصيف عام 2016، والتي استمرت قرابة ثلاثة اشهر، ووصفها بـ "محادثات السلام الحقيقية"، لاعتقاده "أنها ربما كانت أقرب ما توصلنا إليه من اتفاق سلام (وإن كانت بشروط مواتية للغاية للحوثيين) حتى عام 2023".

 

 

 

وذكر "براون" أن الحوثيين قدموا "مطالب غير معقولة إلى ما لا نهاية"، علاوة على "الانغماس في نوبات الغضب، والانسحاب، والتهديدات، والاتهامات المتبادلة، وتغيير موقفهم التفاوضي من يوم لآخر".

 

 

 

وذكر أن المفاوضات التي كان محمد عبدالسلام يمثلها عن الجماعة الحوثية، كانت اقتربت أكثر فأكثر من التوصل إلى اتفاق تشكلت ملامحه "حيث يحتفظ الحوثيون بمعظم مقاليد السلطة في اليمن، وتنسحب السعودية بكرامة، وسوف يتم تهميش الرئيس هادي، لكن مفاوضيه (الحوثي) أدركوا أن السعوديين وغيرهم لن يدعموهم في معارضة هذه النتيجة".

 

 

 

السفير البريطاني الذي كان وبقية الأطراف المشرفين على المحادثات اعتقدوا أنهم توصلوا إلى اتفاق، تفاجأوا بتغيير "التعليمات من صعدة. وقيل إن عبد الملك كان غاضباً من "تنازلات" عبد السلام المزعومة. وانسحب الحوثيون، وتجمدت محادثات السلام لسنوات. وكانت العواقب وخيمة".

 

 

 

عواقب وخيمة

 

 

 

استعرض "براون"، من بين تلك العواقب الوخيمة، عدم تحرك خطوط المعركة "خلال السنوات الثماني الماضية، بقدر ما حدث في الفترة 2014-2016"، رغم الخسائر البشرية والأضرار التي عانت منها اليمن. 

 

 

 

"فإلى جانب صنعاء، تعرضت مدن متنازع عليها مثل الحديدة وتعز ومأرب للدمار". فضلا من أن "الأمم المتحدة قدرت أن انعدام الأمن الغذائي الحاد يؤثر على ملايين اليمنيين".

 

 

 

ووفقا لتحليله، كان تركيز السفير البريطاني والمجتمع الدولي حول صنع السلام. وقد حد هذا من شهية وصف الحوثيين بالجماعة الإرهابية حتى تسببت هجماتهم المتزايدة خارج حدود اليمن في بدء الأمر داخل السعودية، في تحول في الرأي العام. 

 

 

 

مضيفاً: "في أوائل عام 2021، في وقت انتقال إدارة ترامب إلى إدارة بايدن في واشنطن العاصمة، صنفت الولايات المتحدة الحوثيين لأول مرة كإرهابيين في يناير، ثم تم رفع التصنيف في فبراير".

 

 

 

وتطرق إلى مهارة السياسة الإماراتية، تجاه تنفيذ الحوثيين هجوما قاتلا بطائرات بدون طيار وصواريخ على أبو ظبي في يناير 2022، حيث استخدمت هذه الأخيرة بمهارة وضعها المؤقت في مجلس الأمن لتأمين القرار 2624، الذي صنف الحوثيين كمجموعة إرهابية لأول مرة من قبل الأمم المتحدة.

 

 

 

وحسب "براون"، كان هذا هو الوضع في السادس من أكتوبر 2023، ولكن الآن تغير السيناريو بشكل كبير. فقد شرع الحوثيون في برنامجهم المتهور لمهاجمة الشحن في البحر الأحمر وباب المندب. وكان تسامح واشنطن وغيرها من الدول مع مثل هذه الأعمال العدوانية يتجاوز نقطة الانهيار.

 

 

 

واعتبر "مقتل عشرة حوثيين وإغراق ثلاثة من قواربهم على يد البحرية الأمريكية أواخر ديسمبر رسالة واضحة للحوثيين وإيران مفادها أن هذا العدوان لن يُسمَح به". 

 

 

 

غير أن ذلك لم يغير في وضعهم العدواني شيئاً "مما أدى إلى صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين أفعالهم، وأخيراً سلسلة من الضربات الأمريكية والبريطانية. وقد استمرت جهود الإنفاذ المناهضة للحوثيين، لكنها لم تنجح بعد في الردع".

 

 

 

حرب غير متكافئة

 

 

 

وما أثار اهتمام المستشار والسفير البريطاني السابق "براون"، أكثر "أن الأمم المتحدة أعلنت في أواخر ديسمبر عن "خطوة مهمة" نحو وقف إطلاق النار في اليمن ، تحت مسمى "خارطة الطريق" ، بالإضافة الى الاتفاق الأخير والذي تمثلتبتراجع الحكومة عن قرارات نقل البنوك التجارية الخاصة من صنعاء الخاضعة للحوثيين إلى عدن الخاضعة لسيطرتها.

 

 

 

وعلق قائلاً :احتفل مبعوثها بهذا التقدم المفترض دون الإشارة إلى هجمات الحوثيين على الشحن الدولي" ، الأمر الذي يعتقد أنه ربما كان "هذا التلميح الحوثي إلى التقدم نحو وقف إطلاق النار ومحادثات السلام خطوة محسوبة لاستغلال رغبة المجتمع الدولي الراسخة في السلام في اليمن وجعل اتخاذ إجراء حاسم ضدهم وإيران أكثر صعوبة عندما يمكن اعتبار ذلك تقويضا لهذه الآفاق".

 

 

 

ويؤكد أن السعوديين يريدون "بالفعل الخروج من حرب يشعرون أنهم محاصرون فيها منذ سنوات. وقد ذهبوا مؤخرا إلى حد الضغط على الحكومة الشرعية في اليمن للتراجع عن تحدي وضع البنوك في صنعاء، على الرغم من أن مثل هذه المؤسسات المالية، بحكم التعريف، تعتبر متورطة في تمويل الإرهاب".

 

 

 

وفي ظل رغبة المجتمع الدولي بتخفيف الاحتياجات الإنسانية في اليمن، مع علمه أن الحوثيين سيستمرون في استغلال الأزمة الإنسانية كسلاح لتعزيز مصالحهم. يتساءل "براون": هل من الممكن السعي إلى السلام في اليمن والردع في البحر الأحمر وباب المندب في وقت واحد؟

 

 

 

ويجزم في قراءته التحليلية أن الإجراءات الأميركية الأخيرة، و"تشكيل تحالف مع المملكة المتحدة ودول أخرى لمواجهة العدوان الإيراني والحوثي، ستكون الأولوية. وبالفعل، يجب أن تكون كذلك. فحق الشحن في عبور طرق الملاحة الدولية سلمياً أمر راسخ ولا بد من تعزيزه".

 

 

 

ولأن الحوثيين ليسوا حكومة معترفاً بها، ومهاجمتهم بشكل متناسب ليس عملاً من أعمال الحرب ضد اليمن، لا يرى هناك سبباً لاعفاء قياداتهم من الاستهداف أكثر من قيادات تنظيم داعش أو القاعدة، حد تأكيده.

 

 

 

مواجهة إيران

 

 

 

بروان يرى أن دعم إيران للحوثيين في البحر الأحمر بات واضحاً الآن، بما في ذلك سفينة التجسس بهشاد، مضيفاً: "وهذا يقودني إلى النقطة الأخيرة، وهي المشكلة التي لا يرغب أحدٌ بالتطرقِ إليها: فعند أي نقطة سنحمل إيران المسؤولية المباشرة عن الحرب غير المتكافئة التي شنتها علينا؟".

 

 

 

ومع التساؤلات عن سبب عدم إغراق بهشاد، يرى السفير السابق "براون" أنها رسالة واضحة لإيران. واستشهد بنشر الهند في أواخر ديسمبر، سفناً لتحذير إيران من أي تعطيل آخر لممرات الشحن في المحيط الهندي، وتراجعت طهران حينها.

 

 

 

ولكن مع استمرار وكلاء إيران في شن هجمات معادية لأميركا ــ وخاصة إذا قُتل المزيد من الأفراد الأميركيين ــ فإن واشنطن ستضطر إلى فرض عواقب مباشرة على إيران.

 

 

 

ولا يمكن لطهران أن تتراجع من دعمها وتصعيدها عبر الحوثيين، في ظل عدم رغبة واشنطن في الدعوة إلى العمل العسكري خلال الفترة الماضية، "ولكن يبدو الآن من الممكن أن تستمر إيران ببساطة في التصعيد حتى تضطر إلى التراجع في مواجهة رد أقوى".

 

 

 

مؤكداً، أنه لا يمكن إعادة حسابات شهية إيران في "المخاطرة إلا إذا واجهت الآن عقوبات شديدة ومستهدفة على عدوانها، إلى جانب رسالة واضحة مفادها أنه سيكون هناك المزيد في المستقبل إذا لزم الأمر.

 

 

 

ومن المأمول بشدة أن يكون الرد الأميركي الحالي، بإرسال الأصول العسكرية إلى المنطقة، كافيا لردع إيران وحزب الله والمليشيات العراقية والحوثيين عن المزيد من التصعيد، في تأكيد أن الحزم العسكري هو الكفيل بالردع لطهران.