طالب صندوق النقد الدولي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً باستعادة الإيرادات العامة، وتحسين الرقابة على الموانئ، وتوحيد الرسوم الضريبية والجمركية وتوريدها من مختلف المحافظات، والعمل على دمج مؤسسات الإيرادات، وكبح التضخم. جاء ذلك في البيان الختامي الصادر عن بعثة الصندوق بشأن مشاورات المادة الرابعة لعام 2025 مع الحكومة اليمنية، التي استضافتها العاصمة الأردنية عمان خلال الفترة من 28 سبتمبر/أيلول إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد توقف دام أكثر من عشر سنوات بسبب الظروف الاستثنائية التي يمر بها اليمن.
وأشار الصندوق إلى أن احتجاز المحافظات للإيرادات الضريبية والجمركية أدى إلى زيادة كبيرة في حجم الإيرادات تحت التسوية خلال الفترة 2023-2024، ما أثر سلباً بالخدمات العامة الأساسية في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً، وأثار مخاوف تتعلق بالشفافية والمساءلة في إدارة الإيرادات العامة. كذلك دعا السلطات اليمنية، ابتداءً من عام 2026، إلى ربط اعتمادات الصرف بتحويل الإيرادات من المحافظات فوراً، وتنفيذ خطة تعبئة الإيرادات الطارئة قصيرة الأجل المصممة بدعم من الصندوق، التي من شأنها المساهمة في زيادة الحصيلة العامة.
وأوصى الصندوق أيضًا باتخاذ تدابير مؤثرة على مستوى السياسة الضريبية، خصوصًا في ما يتعلق بالتقييم الجمركي بأسعار الصرف السوقية، وتحديث الرسوم الجمركية، وتحسين الامتثال. في المقابل، طالبت بعثة صندوق النقد الدولي البنك المركزي اليمني بمواصلة التركيز على كبح التضخم وتطبيق أسعار الصرف السوقية وضمان النزاهة المالية، بما يحدّ من التمويل النقدي لعجز الموازنة العامة ويُسهم في امتصاص السيولة الزائدة الناتجة منه عبر بيع أصول النقد الأجنبي. وفي ظل انخفاض مستويات الاحتياطيات الرسمية، شدّد الصندوق على ضرورة إلغاء التمويل النقدي للحفاظ على استقرار الأسعار.
وتفرض هذه التوصيات ضغوطاً إضافية على الحكومة اليمنية التي تواجه أزمة مالية خانقة وصعوبات في الحصول على التمويلات والمنح الخارجية لتغطية التزاماتها وتمويل الواردات. ووفق بيانات رسمية، بلغ حجم التمويل لطلبات الاستيراد المقرة من قبل اللجنة الوطنية الحكومية نحو 700 مليون دولار أميركي خلال الخمسين يومًا الماضية منذ صدور قرار تنظيم الاستيراد. ويتعين على الحكومة، بموجب توصيات الصندوق، تغيير استراتيجيتها في برنامج الإصلاح الاقتصادي، والعمل على تطوير النظام الجمركي وضبط المنافذ البرية والبحرية وتوحيدها وربطها إلكترونياً بالبنك المركزي اليمني، فضلاً عن إصلاح النظام المالي وتعزيز الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويرى الصندوق أن هذه الخطوات ستسهم في تسهيل التجارة وتحويلات المغتربين، وهما من أهم شرايين الحياة للاقتصاد اليمني.
وفي إشارة إلى مخرجات اجتماع عمّان مع الصندوق، شهدت مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، سلسلة اجتماعات رسمية خلال الأسبوع الماضي لمناقشة وضع النظام الجمركي وضبط الإيرادات. ورصد "العربي الجديد" اجتماعًا موسعًا خُصّص لمراجعة أداء مصلحة الجمارك وضعف تنفيذ قرارات اللجنة الوطنية لتنظيم الواردات، بحضور رئيس الغرفة التجارية والصناعية في عدن أبو بكر باعبيد وممثلين عن البنك المركزي والمستوردين ونقابة المخلصين الجمركيين. وخلص الاجتماع إلى تسهيل دخول البضائع العالقة التي استوردت قبل صدور قرار اللجنة، بالتنسيق مع الغرفة التجارية، مع الالتزام مستقبلًا بالحصول على تصاريح مسبقة لأي عملية استيراد جديدة بعد 10 أغسطس الماضي، تعزيزًا للانضباط والشفافية في حركة التجارة.
وفي السياق، عقدت اللجنة الوطنية الحكومية للواردات اجتماعها الأخير منتصف الأسبوع، بالتزامن مع مشاورات عمّان، حيث طالبت بتنفيذ قراراتها الخاصة بمعالجة الاختلالات في المنافذ الجمركية، والالتزام بالتطبيق الصارم للآلية التنفيذية لتنظيم تمويل الاستيراد بما يحافظ على تعاون المجتمع الدولي في تسهيل تدفق الإمدادات والتحويلات المالية بين اليمن والعالم. كذلك تناول الاجتماع للمرة الأولى قضية التهريب، مؤكدًا أن اللجنة، بدعم من مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ستوفر كل الدعم للمؤسسات الملتزمة بالقوانين، ولن تتساهل مع الجهات التي تمارس الغش أو التهريب، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
وقال المستشار الاقتصادي لرئاسة الجمهورية، فارس النجار، لـ"العربي الجديد"، إن كسر حلقة التهريب يتطلب تطبيق القوانين بصرامة وتعاون الأجهزة الأمنية، مشددًا على أهمية المضي في تحرير الدولار الجمركي لما له من أثر إيجابي في تعزيز الإيرادات الضريبية والجمركية التي كانت تصل إلى نحو تريليون ريال يمني.
ويؤكد صندوق النقد الدولي أن اليمن بحاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة لإطلاق إمكاناته الاقتصادية، تشمل تعزيز الحوكمة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحسين إدارة المالية العامة عبر ضبط الإنفاق وتطبيق نظام حساب الخزانة الموحد، إضافة إلى تحسين الشفافية والمساءلة في الجمارك والضرائب. كذلك شدّد البيان على ضرورة تنفيذ إصلاحات في قطاع الطاقة والكهرباء وتشجيع القطاع الخاص، باعتبارها شروطًا أساسية لتحقيق النمو المستدام ورفع مستوى معيشة المواطنين، بشرط توافر الاستقرار السياسي والدعم الخارجي.