أحمد الشعبي
أحمد الشعبي

اليمن بين تناقضات الداخل وتحالفات الخارج: أزمة تتعمق وحلول تنتظر الجرأة

 منذ اندلاع حرب 2015 في اليمن، بات المشهد السياسي أكثر تعقيداً و تداخلاً، تغذية التناقضات بين القوى المحلية، والتحالفات المتضادة ، والتدخلات الإقليمية والدولية التي جعلت من اليمن ساحة صراع مفتوحة لا حدود لها. لقد أدت الحرب إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي والميداني في البلاد، ولكن من دون أن يواكبه اعتراف حقيقي بهذا الواقع الجديد، مما جعل كافة محاولات الحل أقرب إلى الدوران في حلقة مفرغة.

 

تحالفات الأضداد وتجاهل الجذور

 

التحالف الذي تأسس لدعم الشرعية اليمنية تحوّل إلى تحالف تتنازعه الأهداف المتضاربة، وينأى بنفسه عن معالجة جذور الأزمة اليمنية. إذ لم يرتكز هذا التحالف على رؤية موحدة لإعادة بناء الدولة، بل على أهداف آنية تتغير وفق مصالح الدول المشاركة فيه. هذا ما جعل الحرب تتطاول زمنياً دون نتائج حاسمة، حيث يتم إدارة الصراع من خلال توازن هش بين الحوثيين والشرعية، ومن ثم بين أطراف الشرعية ذاتها، مما أنتج وضعًا أقرب إلى "إدارة أزمة" لا "حل أزمة".

 

إدارة الحرب لا تعني إدارة السلام

 

طريقة إدارة الصراع من قبل التحالف — التي تقوم على مبدأ الموازنة بين الأطراف بدلاً من توحيدها — انعكست سلباً على مسار الحرب. فبدلاً من تقوية الحكومة الشرعية كمظلة وطنية جامعة، تم تفكيكها داخلياً عبر تغذية الانقسامات بين مكوناتها: المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإصلاح، وقوى محلية أخرى ذات أجندات متضاربة. وبدلاً من الضغط لحل سياسي شامل، استخدم التحالف الصراع كورقة تفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، ما أدى إلى تدويل الأزمة دون حل حقيقي داخلي.

 

الانقسام الدولي وتعقيد المشهد

 

الأزمة اليمنية تحوّلت من صراع داخلي إلى ساحة لتجاذب دولي، فإيران تدعم الحوثيين لتوسيع نفوذها، والسعودية تعتبر الحوثي تهديدًا استراتيجياً، والإمارات تبني نفوذًا خاصًا في الجنوب والساحل. أما القوى الكبرى، فهي تتعامل مع اليمن كأداة ضغط ضمن صراعات أوسع، خصوصًا بعد أن توسعت تهديدات الحوثيين إلى البحر الأحمر والملاحة الدولية، ما رفع الخطر من محلي إلى إقليمي ثم إلى دولي.

 

الحوثي بين الشرعية العسكرية والانتهازية السياسية

 

بقاء الحوثيين بهذه القوة، مسيطرين على مؤسسات الدولة في الشمال، يضع المنطقة أمام تحديات أمنية غير مسبوقة. فهم لم يعودوا فاعلين داخليين فقط، بل أصبحوا جزءًا من محور إقليمي يمتد من طهران إلى غزة. واستغلالهم لأحداث غزة لتعزيز نفوذهم السياسي والعسكري، دون الاكتراث بالواقع الإنساني والمعيشي في اليمن، يبرهن على انتهازيتهم وتحولهم إلى أداة لمشاريع خارجية تتجاوز الحدود اليمنية.

 

تحالفات متناقضة داخل الشرعية

 

في المقابل، لم تبلور قوى الشرعية اليمنية مشروعاً وطنياً جامعاً. تحالف التناقضات داخل هذا المعسكر — بين من يسعى إلى وحدة الدولة، ومن يريد انفصال الجنوب، ومن يتحالف مع قوى إقليمية على حساب الداخل — جعل الشرعية أقرب إلى عنوان سياسي منه إلى كيان حقيقي. وهذا الانقسام أضعف موقفها أمام الحوثي، وعجزت عن تقديم نموذج بديل مقنع للناس.

 

الحل الجراحي.. خيار لا مفر منه

 

أمام هذا الواقع، يصبح الحل السطحي أو المهادن غير مجدٍ. لا بد من عملية جراحية سياسية وعسكرية شجاعة تتضمن:

 

1. تفكيك البنية العسكرية للحوثي عبر تدخل مباشر ومكثف بدعم دولي، وتحمل نتائج المواجهة مهما كانت قاسية، لأنها الطريق الوحيدة لإعادة التوازن.

 

 

2. الاعتراف بالواقع الجنوبي ومنح الجنوبيين حق تقرير المصير، سواء في إطار دولة مستقلة أو كيان فيدرالي واسع الصلاحيات، بعد استفتاء شعبي حر وبرقابة أممية.

 

 

3. إعادة بناء الشرعية اليمنية على أسس جديدة تشمل جميع القوى الفاعلة على الأرض، مع استبعاد الوجوه القديمة التي أثبتت فشلها.

 

 

4. اتفاق إقليمي شامل يتضمن التزاماً إيرانياً بعدم التدخل في اليمن، مقابل ضمانات أمنية للحوثيين كمكون سياسي لا ميليشيا مسلحة.

 

 

5. حوار وطني شامل تحت مظلة دولية محايدة، تُشارك فيه القوى المحلية كافة، ويؤدي إلى صيغة حكم جديدة تُرضي الشمال والجنوب معًا.

 

 

 

السيناريوهات المحتملة: بين الانفراج والانفجار

 

سيناريو التسوية الواقعية: يشمل تفاهماً جنوبياً-شمالياً بدعم دولي، ويُبقي الحوثي كجزء من العملية السياسية دون سلاح، ويحفظ مصالح دول الجوار.

 

سيناريو الانفصال الفوضوي: إذا فشل الحل السياسي، قد يذهب الجنوب إلى الانفصال من طرف واحد، ما يؤدي إلى حرب حدودية محتملة وتفتيت أوسع.

 

سيناريو استمرار الحرب: وهو الأسوأ، حيث يستمر النزاع مع تدويل أكبر، وتفاقم الكارثة الإنسانية التي تهدد بانهيار الدولة اليمنية كلياً.

 

 

خاتمة

 

ما لم يتم الاعتراف بجذور الصراع وتعقيداته، سيظل اليمن مرتهناً لحرب طويلة الأمد. المطلوب ليس مجرد حلول وسط، بل جرأة في اتخاذ قرارات حاسمة، تتضمن مواجهة الحوثي بجدية، وتحرير القرار الوطني من قبضة التحالفات المتضاربة، والاعتراف بحقوق مكونات الشعب اليمني وعلى رأسهم الجنوبيين. فاليمن بحاجة إلى مشروع وطني جديد، لا إلى ترميم أنقاض الدولة القديمة.