كان ل " سفيان " ثلاثة تيوس، وكان يُعنَى بهم عناية فائقة، لكنه غفل أن للبهائم حاجاتٍ تتجاوز الطعام والشراب؛ إذ لا بد لهم من أنثى تكتمل بها دورة الحياة. نعم، أنثى تُسَلّي أوقاتهم وتَكبَحُ فحولتهم المتقدة.
كان جارنا المسكين قد ربَّاهم طمعًا في بيعهم للمُضَحِّين في العيد. لكنه لم يُدرك في حسابه أن العشب والعلف لا يكفيان، فتيوسه الثلاثة تفتقدُ أنثى يركبونها كلما اشتعلت غريزة الذكورة فيهم.
فنصحه جاره "مقبل" بأن يخصيهم كي يكفُّوا عن المأمأة المستمرة، أو أن يأخذهم إلى صاحب أغنام ولو مرة في الأسبوع.
استحسن سفيان فكرةَ أخذهم ليلاً إلى حظيرة جاره "حسين"، فاقتادهم إلى حيث قطيع الغنم، ونادى على صاحبه، وحين حضر ترجاه أن يقبل تيوسه الثلاثة خلال ساعات الليل .
نظر حسين إلى التيوس السمينة، فرأى فيها فرصةً لتحسين نسل غنمه، وقال في نفسه:
ماذا سأخسر؟ إنها ساعات ليل قصيرة، وبدون أي تكلفة.
وبموجب هذا الاتفاق، كان سفيان يعتني بتيوسه نهارًا، وعند المغيب كان يأخذهم إلى غنم جاره.
لكن حسينًا لم يحسب حسابه جيدًا؛ فتيوس سفيان ليست كأي تيوس أخرى! إنها ثلاثة متشابهين في الخِلقة والتربية والفحولة.
والأغرب من ذلك أن فحولتهم تتقد في وقت واحد، ورغبتهم تتجه نحو نعجة واحدة! فإذا ما همَّ أحدهم بالاقتراب من شاه معينة، يقفز الآخران ليزاحماه بشهوة جامحة.
في الأسبوع الأول، نفقَت أفضل نعجات حسين، وكانت على وشك الولادة! والسبب بالطبع تيوس سفيان. وفي الأسبوع التالي، نُطِحَ تيسٌ كان يدخره حسين لأضحية العيد.
وتوالت المصائب، فلا يكاد يمر يوم إلا ويستيقظ حسين على نفق شاه أو تيس. وظل طوال هذه الفترة يعتقد أن ثمة أفعى تسللت إلى الحظيرة، أو أن غنمه أكلت نباتًا سامًا.
لم تخطر بباله ولو لمرة واحدة أن تيوس سفيان هي سبب الكارثة! ومع أن زوجته وجيرانه نصحوه بمراقبة الحظيرة ليلاً، إلا أنه سخِر من نصائحهم وعدَّها تهويلاً بلا دليل.
وقال لزوجته في غضب:
هل سمعتِ مرة أن ماشية تنفق بسبب فحولة الذكر؟! الماشية تنفق من السم أو المرض أو الأفاعي، أما غير ذلك فلا أصدق !
وفي صباح أحد الأيام، استيقظ حسين على أصوات مأمأة غير معتادة، فأسرع إلى الحظيرة ليجد التيوس الثلاثة تحوم حول نعجة ميتة… كانت آخر ما تبقى له من غنم، وكان في بطنها الجنين الذي طالما انتظره دليلاً على رجاحة فكرته .
وفي خضم مصيبته، وصل سفيان، فأمسك بتلابيب تيوسه الثلاثة ومضى بهم إلى سوق الأربعاء، باعهم وعاد إلى بيته، تاركًا حسينًا في حسرته، بلا تعاطف أو اعتذار.
أخذ حسين يبكي ويضحك في آنٍ واحد… فقد غنمه وأضحيته وأحلامه، ولم يبق له شيء. والأمر الأكثر مرارةً أنه ظل عاجزًا عن استيعاب كيف دمَّرت تلك التيوس حياته .
وكيف خُدع بمنطقه ، فلم يُدرك أن بعض الكوارث لا تحتاج إلى أفاعي أو سموم فحسب … بل إلى غفلة قاتلة، وثقة عمياء.
محمد علي محسن