عبدالباسط القطوي
عبدالباسط القطوي

يا أبناء الأزارق إلى متى تضحية بلا ثمن؟

حين تدور رحى الحرب، يُستدعى أبناء الأزارق، وحين توضع غنائم السلم، يُدار لهم الظهر، هذه هي المعادلة القاسية والمخزية التي تلخص حكاية مديرية قُدّر لها أن تكون خزان التضحية الأبدي، وسلة المهملات في زمن توزيع المناصب، والاستحقاقات أكتب اليوم بمرارة الغدر لا بحبر القلم، ما تتعرض له الأزارق ليس فقط تهميش، بل هو طعنة نجلاء في ظهر كل شهيد وجريح ومقاتل منها.

 

دعونا نتحدث بلغة الأرقام الصادمة لا بلغة العواطف، كم عدد الشهداء الذين قدمتهم الأزارق على امتداد جبهات الشرف؟ آلاف الشهداء، كم عدد الجرحى الذين ما زالت أجسادهم تحمل ندوب المعركة؟ الآلاف، كم عدد أبنائها المرابطين في الخطوط الأمامية حتى هذه اللحظة؟ لا يكاد يُحصون، الأزارق هي الرقم الصعب في معادلة الصمود، وقدمت دماء أبنائها دون سؤال أو تردد، إيماناً منها بقدسية القضية والوطن.

 

والآن، دعونا نقلب الصفحة إلى كواليس السياسة وتقاسم "الكعكة" أين هم أبناء الأزارق في قوائم التعيينات المدنية والعسكرية؟ أين هم من المناصب القيادية في المحافظة والحكومة؟ أين حصتهم من وكلاء الوزارات والمحافظات، ومدراء العموم، والملحقين في السفارات؟ الإجابة صادمة وموجعة: لا شيء لا شيء تقريباً.

 

يتم استدعاء المقاتل الأزرقي ليكون وقوداً للمعركة، وحين يعود -إن عاد- لا يجد لنفسه مكاناً في صفوف البناء أو دائرة القرار يُطلب منه أن يضحي بحياته، ولكن لا يُسمح له بأن يشارك في صنع مستقبل الوطن الذي يموت من أجله إنها أقسى صور الإقصاء وأكثرها إذلالاً: أن تكون مؤهلاً للموت، وغير مؤهل للحياة الكريمة والمنصب المستحق.

 

 تحولت تضحيات الأزارق إلى "رصيد" يتغنى به الآخرون في خطاباتهم، بينما يُحرم أبناؤها من أبسط حقوق المواطنة، يُنظر إليهم كأدوات للمعركة فقط، وعندما تهدأ المدافع، يتم تجاهلهم وكأنهم لم يكونوا هل دماء أبنائنا رخيصة إلى هذا الحد؟ هل بطولاتهم مجرد تذكرة عبور للآخرين نحو السلطة والثروة؟ فأن ما يحدث اليوم ليس صدفة أو إهمال عابر دون قصد، بل سياسة ممنهجة لإبقاء هذه المديرية البطلة في زاوية الظل، لضمان استمرارها كخزان بشري للتضحية دون أن يكون لها صوت أو نفوذ يطالب بحقوقها، يسرقون تضحيات شهدائنا ليزينوا بها مناصبهم، ثم يتركون أسرهم للجوع والحاجة.

 

رسالتي هذه ليس للمسؤولين الذين صمت آذانهم، بل لأبناء الأزارق أنفسهم ولكل شرفاء الوطن: إن الكرامة لا تُستجدى، والحقوق تُنتزع، لقد دفعنا الثمن دماً، ولن نقبل بعد اليوم أن نعيش على فتات الموائد، فإما أن نكون شركاء في الوطن والسلطة كما نحن شركاء في الدم والتضحية، أو فليعلم الجميع أن الصبر قد بلغ منتهاه، وأن ظهور الأبطال التي حمت ظهورهم في المتارس، لن تبقى عارية إلى الأبد.