لماذا لم يُنفذ تطبيع الأوضاع في سنجار العراق؟

عربي ودولي
قبل سنتين I الأخبار I عربي ودولي

يحاول المتابعون للشأن العراقي تقييم اتفاق سنجار المبرم بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان العراق بعد أشهر من توقيعه، إذ لا توجد دلائل حتى الآن تشير إلى تنفيذه على الأرض فالخلافات غير المعلنة أفقدته قيمته لاسيما وأن السخط بين المجتمعات المحلية وكل المتداخلين في هذه المشكلة قد يهدد هذه التسوية الهشة والاستقرار بشكل عام.

وفي أكتوبر الماضي، وقّعت بغداد اتفاقية إعادة الاستقرار وتطبيع الوضع في قضاء سنجار، وهي اتفاقية أمنية مشتركة مع حكومة أربيل بشأن البلدة الإيزيديّة الواقعة ضمن محافظة نينوى التي سقطت في قبضة داعش في 2014، وشهدت حينذاك إبادة جماعية ضد سكانه. كما اختطف التنظيم أكثر من 6 آلاف مدني، مازال مصير أكثر من نصفهم مجهولا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 300 ألف آخرين إلى إقليم كردستان.

لكن لماذا عجز رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي حتى الآن في إرجاع النازحين الإيزيديين إلى هذا القضاء ولماذ لم يترجم بنود الاتفاقية على الأرض خاصة وأن الرئيس برهم صالح صادق مؤخرا على قانون الناجيات الإيزيديات، الذي صوت عليه البرلمان. ويتيح القانون منح امتيازات وتعويضات مالية ومعنوية وإعادة تأهيل الناجيات لإعادة اندماجهن في المجتمع فضلا عن إعادة إعمار مناطقهم.

ومنذ إبرام الاتفاق كرر الكاظمي تعهداته وحرص حكومته وجديتها على تأمين عودة جميع النازحين وبضمنهم أبناء المكون الإيزيدي إلى مناطقهم بعد طرد داعش وعودة الاستقرار ودعم الناجيات والناجين الإيزيديين وتحقيق مطالبهم. لكنّ هناك تشعبا كبيرا أخّر إتمام التسوية بالشكل المطلوب.

ويتضمن اتفاق إعادة الاستقرار في سنجار نقاطًا إدارية وأمنية وخدمية عديدة ويتم الاتفاق بشأن الجانب الإداري مع حكومة إقليم كردستان ومحافظة نينوى، مع الأخذ بعين الاعتبار مطالب أهالي القضاء.

ويدخل كل ما هو أمني ضمن نطاق وصلاحيات الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان. أما الجانب الخدمي فسيكون من مسؤولية لجنة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ومحافظة نينوى.

وتهدف الاتفاقية، التي تحظى بدعم دولي، بالأساس إلى إخراج مسلحي حزب العمال الكردستاني وفصائل الحشد الشعبي والمجاميع المنضوية تحت لوائهما من المدينة الاستراتيجية، حيث تمركز في سنجار قرابة 20 ألف مسلح ينتمون إلى سبعة فصائل مختلفة.

وتقع سنجار في موقع استراتيجي في المنطقة الشمالية الغربية من نينوى، على حدود محافظة الحسكة السورية من الشمال الغربي ومحافظة سيلوبي/سيرناك التركية إلى الشمال الشرقي ويشكل موقع المدينة في المنطقة المتنازع عليها بين بغداد وأربيل محل تنافس بين الطرفين.

وكانت قوات البيشمركة الكردية تسيطر على المنطقة منذ عام 2003، لكنها انسحبت عند هجوم داعش تكتيكيا كما قال الحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك دون أن توضح أي سبب مقنع للإيزيديين، فدخلت حينها مجموعة مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني إلى المنطقة بحجة الدفاع عن الأقلية الإيزيدية.

خلال الفترة الأخيرة برزت بعض الانتقادات الموجهة إلى   الكاظمي وحكومته، فعلى سبيل المثال، اعتبر وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان ريبر أحمد الأحد الماضي أن اتفاق سنجار الذي أُبرم بين بغداد وأربيل “نُفذ شكليا فقط”. وهذا الكلام قد يكون كافيا للوقوف على الصعوبات التي تواجهها بغداد.

وسبق أن قالت بغداد إنها بدأت بتطبيق الاتفاق منذ مطلع ديسمبر الماضي من خلال نشر قوات الحكومة الاتحادية وإخراج الجماعات المسلحة من قضاء سنجار، وهو ما تنفيه حكومة أربيل.

ومع ذلك، يعتقد مراقبون أنه بينما يهدئ الاتفاق التوترات المستمرة بين النخب العراقية والكردية، فإنه لا يرقى إلى مستوى تلبية المطالب المحلية لتسوية سياسية شاملة وأنه ما لم تصبح الأقليات المحلية أصحاب مصلحة إلى جانب الحكومات الوطنية والمحلية، ستستمر المفاوضات الحصرية في منع حل النزاعات في واحدة من أكثر المناطق هشاشة بالبلاد.

ويبدو أن الحاجة الملحة لإبرام الاتفاق، وسبب دعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة للمحادثات، لم تكن لهما علاقة كبيرة بوضع سنجار كأرض متنازع عليها بين الحكومتين في بغداد وأربيل بقدر ما كانت لهما علاقة بالرغبة في سد الطريق أمام حزب العمال الكردستاني والميليشيات المدعومة من إيران في تلك المنطقة.

وبالنسبة إلى سنجار فإن حزب العمال الكردستاني، الذي ظهر إلى الوجود قبل أكثر من 40 عاما على خلفية كل من الاستقطاب السياسي والعرقي في تركيا والحرب الباردة رسخ أقدامه في المنطقة لأن معظم الإيزيديين يعتقدون أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني قد خان الإيزيديين في المنطقة وأخضعهم لتنظيم داعش.

ويصب السكان المحليون، وحتى أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني جام غضبهم على رئيس الوزراء مسرور بارزاني على نحو متزايد بسبب عدم كفاءته وقمعه وفساده. وفي حقيقة الأمر ينظر هؤلاء على نحو متزايد إلى   حالة انعدام تطبيق القانون التي تعيشها أسرته بنفس الطريقة التي كان ينظر بها العراقيون في الماضي إلى الرئيس صدام حسين ونجليه عدي وقصي.

لكن ذلك ليس كل شيء، ففي نوفمبر الماضي نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الشيخ مزاحم الحويت، المتحدث باسم العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها أنّ هناك اتفاقا سريا بين حزب العمال الكردستاني وميليشيا حزب الله العراقي في قضاء سنجار لتزويد الأخيرة بأسلحة وذخائر للاستقواء على أربيل وبغداد والتمرد على الاتفاق الأخير بينهما بشأن تطبيع الأوضاع في سنجار.