د.عادل الشجاع
د.عادل الشجاع

شايع الزنداني… وزير يحفر في الجدار بحثا عن ضوء الوطن

في زمن تهاوت فيه الشعارات وتراجعت القيم، يطل وزير الخارجية شايع الزنداني كاستثناء نادر في مشهد سياسي مثقل بالتناقضات والمصالح الضيقة، رجل جاء إلى وزارة أنهكتها سنوات التيه، فاستنهض فيها روح الانتماء، ووطن مؤسساتها، وأعادها إلى عدن بعد أن كادت تذوب في المنافي وتنسى بين جدران الغربة!.

 

لقد أعاد الزنداني للوزارة نبضها، واستعاد أبناءها من المهاجر والمنافي، فصاروا بين جدرانها يسمعون صدى الحياة الإدارية من جديد، وتحركت دوائرها التي كانت في سبات طويل، وما فعله لم يكن ترفًا سياسيا، بل محاولة شجاعة لإعادة بناء الدولة من قلب الركام، في مدينة ما زالت تبحث عن أمنها، وعن معناها كعاصمة شرعية مقهورة!.

 

لكن طريق الإصلاح محفوف بالعراقيل، فالرجل يعمل في ظل مجلس قيادة تحكمه المحاصصة، وحكومة غير متجانسة جمعتها الضرورة وفرقتها المصالح، حكومة بلا برنامج، ومجلس بلا رؤية، وتحالف لا يريد أن يرى الشرعية تقف على قدميها، كيف لوزير أن يلزم سفراء الدول بالعودة إلى عدن، فيما الحكومة نفسها تقيم في الخارج، ورموز السلطة الشرعية رهائن في قصور المنفى؟.

 

عدن اليوم، مثل صنعاء، عاصمة مختطفة، الأولى في يد المليشيا والانقلاب، والثانية في قبضة الفوضى والوصاية وبين العاصمتين، تضيع الدولة كما يضيع اليتيم بين أيدي الأوصياء المتنازعين على وصايته، وفي هذا التيه، يقف الزنداني ورفاقه من أبناء الوزارة الذين لبوا النداء وعادوا إلى عدن، يحفرون في الجدار بأظافر الإرادة علهم يجدون ثقبا للضوء، شعاعا صغيرا يبدد هذا العتم الطويل؟.

 

لقد اختار الرجل أن يقاتل من الداخل، أن يقول، أنا هنا في وجه العجز والتواطؤ، وهذه الشجاعة بحد ذاتها إصلاح، أما أولئك الذين ما زالوا منذ 2014 ينتظرون عدلا ينصفهم وحقا يعيد لهم مكانهم، فهم وقود هذا الأمل المتقد في صدور الصادقين، الذين يؤمنون أن العدالة ليست منة من أحد، بل حق سيأتي مهما طال الليل ومادام الزنداني يحمل همهم..

 

إن شايع الزنداني اليوم لا يمثل مجرد وزير في حكومة مترنحة، بل يمثل روح الدولة التي ترفض أن تموت، يمثل اليمني الذي يرفض الاستسلام، والذي ما زال يحلم أن يرى علم بلاده يرفرف فوق مبنى الخارجية في عدن، لا كرمز سياسي فحسب، بل كإعلان عن أن الدولة، رغم كل الجراح، ما زالت قادرة على النهوض من تحت الركام..

 

ففي زمنٍ يهرب فيه الجميع من المسؤولية، يختار الزنداني البقاء في الميدان، وفي زمنٍ غابت فيه القدوة، يزرع هو في وجدان الناس يقينا بأن الوطنية ليست خطابا يلقى، بل موقف يعاش، وتضحية تقدم بصمت وشرف..

 

وسيبقى التاريخ يذكر أن هناك رجلا، وسط هذا الركام، لم يرفع راية الاستسلام، بل ظل يحفر في الجدار… حتى لامس الضوء..