الهند لم تنجح في إحباط طموح باكستان النووي... ما هي الاسباب؟

عربي ودولي
قبل سنة 1 I الأخبار I عربي ودولي

نشر موقع "تي آر تي" (TRT) التركي تقريرا يحاول الإجابة عن فشل نيودلهي في إحباط سعي إسلام آباد لامتلاك سلاح نووي، وعزا ذلك إلى ما وصفه باستخفاف الهند، وخاصة نخبتها الحاكمة، بقدرات علماء باكستان وسياسييها.

 

 

 

وأوضح كاتب التقرير سعد حسن أن ما جعل هذا السؤال ذا جاذبية حاليا هو الفيلم الذي بثته "نتفليكس" الشهر الماضي وحمل عنوان "مهمة ماجنو" (Mission Majnu)، ويعني "المهمة المجنونة أو اليائسة".

وما يدل على "استخفاف" الهند بقدرات باكستان، أورد التقرير أن نيودلهي تحركت بشكل قوي فقط في كانون الثاني 1987، عند فوات الأوان تقريبا، وحشدت ما يقرب من نصف مليون جندي في مقاطعة راجستان المتاخمة لباكستان ظاهريا من أجل مناورة عسكرية تحمل الاسم الرمزي براستاكس Brasstacks. وكانت تلك أكبر تعبئة مسلحة جنوب آسيا شاركت فيها مئات الدبابات والعربات المدرعة مدعومة بالقوات الجوية. وأجريت التدريبات على بعد كيلومترات قليلة من إقليم السند الباكستاني المتاخم لراجستان.

 

 

أقوى ما فعلته الهند وذكر التقرير أن وراء هذا الموقف العسكري كان قائد الجيش الهندي الفريق كريشناسوامي سوندارجي، وهو صقر عسكري معروف، ظل يحذر لسنوات من برنامج الأسلحة النووية السري لإسلام آباد. ووصف الكاتب هذا الحشد بأنه أقوى ما فعلته الهند لتقويض طموح باكستان النووي. ونسب إلى فيروز خان أستاذ الانتشار النووي في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية ومؤلف كتاب "أكل العشب: صنع القنبلة الباكستانية" القول إن سوندارجي أراد إشعال حرب وخطط لضرب كاهوتا، المنشأة النووية، حيث يتم تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية في باكستان.

 

لكن التعبئة المضادة التي قامت بها إسلام آباد أثارت قلق رئيس الوزراء الهندي آنذاك راجيف غاندي، الذي لم يتم اطلاعه بشكل صحيح من قبل سوندارجي. وفي النهاية خفف الجانبان من تصعيد الموقف. "سنتغذى على أوراق الشجر حتى لو اضطررنا لذلك" وأورد التقرير أن صحفيا بريطانيا سأل ذو الفقار على بوتو الذي كان وزيرا للخارجية الباكستانية عام 1965 عن الكيفية التي سترد بها بلاده إذا قررت الهند بناء سلاح نووي. فرد قائلا "إذا صنعت الهند قنبلة ذرية، سننتج أيضا قنبلة ذرية، حتى إذا كان علينا أن نتغذى على العشب وأوراق الشجر، لا يوجد لدينا بديل آخر".

 

ووفق أستاذ الانتشار النووي -الذي انتسب للجيش الباكستاني برتبة عميد وعمل لبعض الوقت في قسم الخطط الإستراتيجية المسؤول عن حراسة الترسانة النووية- القول إن الهند أصبحت قوة نووية عندما اختبرت بنجاح أول قنبلة لها عام 1974. ومع ذلك، انتظر بوتو سنوات قبل أن تقترب باكستان من إنتاج قنبلتها.

 

وفي حزيران 1978، تمكن العلماء الباكستانيون من معرفة كيفية تشغيل أجهزة الطرد المركزي بنجاح. ومن ذلك الوقت فصاعدا، كان الأمر يتعلق بتخصيب اليورانيوم حتى يمكن تحويله إلى سلاح.

 

 

ومع ذلك، لم تشعر معظم الحكومات -بما في ذلك الهند- باستثناء إسرائيل، بالحاجة الملحة للعمل لإيقاف باكستان أواخر السبعينيات عن إنتاج قنبلتها لأنهم اعتبروا أن بلدا منخفض الدخل وفقد للتو جناحه الشرقي (بنغلاديش اليوم) يفتقر إلى القدرة والمهارة للتعامل مع مثل هذه التكنولوجيا المتطورة. وقال التقرير إن المثير للفضول أن الهند لم تأخذ محاولة التخصيب في الدولة المجاورة على محمل الجد إلا بعد فوات الأوان. وعزا ذلك إلى "استخفاف" النخبة الهندية الحاكمة (البراهمة) بقدرات المسلمين في باكستان لصنع قنبلة نووية. وقد اشتد الازدراء البراهمي بقدرات الباكستانيين بسبب الصعوبات التي واجهتها الهند، المتعلمة جيدا، في محاولة إتقان تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، كما كتب جورج بيركوفيتش في كتابه "قنبلة الهند النووية". غطرسة هندية وأورد التقرير قول سوميت غانغولي أستاذ العلوم السياسية بجامعة إنديانا بلومنغتون -الذي كتب على نطاق واسع عن القضايا النووية جنوب آسيا- إنه ربما عام 1981 بدأت المخابرات الهندية التقاط أدلة على أن باكستان كانت تصنع القنبلة، مضيفا "لقد سمعت بشكل مستقل من المحللين الهنود أن المؤسسة العلمية الهندية تعتقد أن الباكستانيين قد يكون لديهم معرفة نظرية، لكن ليس لديهم القدرة الصناعية. كان هذا غطرسة من جانبهم". وعندما اتضح أخيرا في نيودلهي (عام 1987) أن باكستان كانت على وشك صنع قنبلة، دفع بعض القادة العسكريين، بمن فيهم سوندارجي، الحكومة إلى اتخاذ إجراء. استعداد وهمي وتطابقت التقارير التي تفيد بأن القوات الجوية الهندية كانت تستعد لضرب موقع كاهوتا النووي، مع رسالة أميركية مسربة تعرض صور الأقمار الصناعية لمجموعة من طائرات جاغوار الهندية التي كانت مفقودة من قاعدتها الجوية المحددة.

 

 

لكن الباكستانيين أخذوا المعلومات على محمل الجد وأرسلوا طائراتهم الخاصة في رحلات منتظمة فوق كاهوتا في استعداد دائم. لكن بعد سنوات، ضحك ضابط في سلاح الجو الهندي على حادثة جاغوار المفقودة بأكملها.

وعودة إلى كتابه أورد بيركوفيتش أنه في الواقع "كانت الطائرات مخبأة في الغابات القريبة كجزء من تدريبات الدفاع الجوي السلبية، ونقل عن ضابط هندي قوله "جيد بالنسبة لنا أن يحرقوا محركاتهم". أميركا وفرنسا أيضا ويشير التقرير إلى أنه لم تكن الهند وإسرائيل وحدهما من المهتمين بمحاولة معرفة المدى الذي أحرزته باكستان في صنع القنبلة. فقد حاول روبرت غالوتشي، وهو مسؤول رفيع بالخارجية الأميركية، زيارة منشأة أبحاث كاهوتا لمعرفة ما كان يحدث هناك، لكن مسؤولي المخابرات الباكستانية أوقفوه رغم زعمه أنه ذاهب إلى كاهوتا للتنزه، كما تعرض السفير الفرنسي بول لو غوريريك وسكرتيره الأول للضرب من قبل مسؤولي الأمن عندما حاولا الاقتراب أكثر من اللازم من كاهوتا. وتسبب الحادث في توتر العلاقات الدبلوماسية بين باريس وإسلام آباد.

وذكر التقرير حادثة أخرى تتعلق بالمراقبة الأجنبية، وكانت غريبة إلى حد ما. فقد عثر عمال بالقرب من محطة الطرد المركزي على حجر صخري انفلق وكشف عن أسلاك ودوائر بارزة من الداخل، كان من الواضح أنه تم زرعها من قبل المخابرات الأميركية.

 

وقد تراجعت حدة التوتر في براستاك منتصف الثمانينيات بعد مفاوضات دبلوماسية. ومنتصف التسعينيات، وقعت إسلام آباد ونيودلهي اتفاقية تتعهد فيها كل منهما بعدم مهاجمة المنشآت النووية للطرف الآخر. وعام 1998، أجرى الجانبان تجارب نووية، مما جعل الضربة النووية ضد بعضهما البعض نتيجة مفروغا منها.