يطرح استمرار القصف والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل تساؤلات حول قدرات طهران الصاروخية من حيث النوع والكم، ولكن أيضا حول تلقيها دعما من حلفائها التقليديين الصين وروسيا، خصوصا لتسليح صواريخها الباليستية.
فمع استمرار الضربات الإيرانية على مناطق إسرائيلية عدة، تسعى تل أبيب إلى شل المنظومات الصاروخية لعدوتها اللدودة، حيث هاجمت جامعة مرتبطة بالحرس الثوري في شرق البلاد ومنشأة خجير للصواريخ الباليستية قرب طهران. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، إن 50 مقاتلة ضربت نحو 20 هدفا في طهران بما في ذلك مواقع لإنتاج مواد خام ومكونات وأنظمة تصنيع صواريخ.
لكن على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المتلاحقة، أطلقت طهران صواريخ فرط صوتية من نوع "فتاح" ليل الثلاثاء. ومنذ بدء عملية "الأسد الصاعد"، أطلقت إيران ما لا يقل عن 400 صاروخ باليستي وألف مسيّرة. والخميس أصابت دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية مستشفى في جنوب إسرائيل ومدينتين قرب تل أبيب، ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن 47 شخصا.
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إنه إلى جانب استهدافه منشآت تتعلق بالبرنامج النووي، فهو يقصف "عدة مواقع لإنتاج الأسلحة منها منشآت لإنتاج المواد الخام والمركّبات الخاصة بتجميع الصواريخ الباليستية". ومن هذه الأهداف "مواقع لإنتاج أنظمة وقطع صواريخ أرض-جو المصممة لمهاجمة الطائرات".
ويقدر مكتب مدير المخابرات الوطنية الأمريكي أن إيران مسلحة بأكبر عدد من الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط. وقال مصدر مطلع، إن الجمهورية الإسلامية حركت بعض منصات إطلاق الصواريخ الباليستية يصعب تحديد طبيعة أهدافها.
ما هي القدرات الصاروخية الإيرانية؟
أوضحت منظمة مجلس العلاقات الخارجية ومقرها واشنطن في تقرير الاثنين بأن الغارات الإيرانية على إسرائيل عام 2024 كشفت بأن قدرات طهران الصاروخية متنوعة وتشمل ترسانات واسعة من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية إضافة للمسيّرات. ونقلت عن محللي الاستخبارات الأمريكية قولهم، إن صواريخ إيران الباليستية تسلك مسارا مكافئا عبر الغلاف الجوي بسرعة كبيرة، كما يصعب اعتراضها. كما تشير تقارير إلى أن صواريخ إيران الأبعد مدى قادرة على ضرب أهداف تصل إلى 2000 كيلومتر (حوالي 1240 ميلا)، وربما أبعد لتغطي كامل المنطقة وأجزاء من أوروبا.
في هذا الشأن، يشرح نضال أبو زيد خبير عسكري واستراتيجي من عمان بأن "الصواريخ البالسيتية هي سلاح الردع المتوفر لدى إيران في ظل التضييقات والعقوبات على ترسانتها العسكرية وقدراتها النووية". ويشرح لفرانس24: "لذلك، طوّرت إيران برنامجها الصاروخي للتعامل مع التهديدات والتحديات التي تحيط بها. كما أن ملف الصواريخ البالستية لا يخضع للتفاوض كما يريده الجانب الأمريكي".
يمكن الإشارة إلى أبرز الصواريخ الإيرانية وفق تعداد نشره موقع "مسييل ثريت missile threat (التهديد الصاروخي)" ومقره واشنطن:
صاروخ رعد: لا ينبغي الخلط بينه وبين صاروخ كروز الباكستاني وصاروخ كروز الإيراني المضاد للسفن من أصل صيني. دخل رعد مرحلة الإنتاج الكامل في 2004 والخدمة في 2007. يبلغ مداه المعلن 350 كيلومترا.
صاروخ رعد-500 باليستي قصير المدى من إنتاج الحرس الثوري الإيراني. صورة نشرتها وكالة أنباء إيران برس في 9 فبراير/شباط 2020
صاروخ رعد-500 باليستي قصير المدى من إنتاج الحرس الثوري الإيراني. صورة نشرتها وكالة أنباء إيران برس في 9 فبراير/شباط 2020 © أ ف ب.
صاروخ سومار (هويزة، أبو مهدي): هو صاروخ كروز يُطلق من الأرض كُشف عنه رسميا في 8 مارس/آذار 2015. من المرجح أنه استمرار لصاروخ مشكات الذي كشفت عنه إيران في سبتمبر/أيلول 2012. لكن قد يكون في الأصل صاروخ Kh-55 الروسي القادر على حمل رؤوس نووية.
شهاب-1: هو النسخة الإيرانية من صاروخ SS-1C الروسي سكود-B مع ميزات إضافية. وهو صاروخ باليستي قصير المدى أحادي المرحلة يعمل بالوقود السائل ويبلغ مداه الأقصى 330 كيلومترا. استخدمته إيران على نطاق واسع خلال التسعينيات وأوائل الألفية الثانية ضد معسكرات منظمة مجاهدي خلق في العراق.
صاروخ شهاب-1 الإيراني بعيد المدى صورة نشرتها وكالة أنباء الطلبة في 3 يوليو/تموز 2012.
صاروخ شهاب-1 الإيراني بعيد المدى صورة نشرتها وكالة أنباء الطلبة في 3 يوليو/تموز 2012. © أ ف ب.
شهاب 2: (سكود سي-فاريان) هو النسخة الإيرانية من صاروخ SS-1D الروسي سكود-سي. وهو صاروخ باليستي قصير المدى أحادي المرحلة يعمل بالوقود السائل ويبلغ مداه الأقصى 500 كيلومتر. يحمل رأسا حربيا واحدا بحمولة قصوى تبلغ 770 كلغ. يبلغ طوله حوالي 11 مترا بوزن إطلاق يقدر بـ 6095 كلغ.
توندار 69: هو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى. أفادت تقارير في 1989 أن إيران اشترت من الصين 200 صاروخ باليستي قصير المدى من طراز M-7 (CSS-8) مزود بأنظمة نقل ونصب وإطلاق (TELs)، وأعادت تسمية النظام إلى توندار 69. وهو الأول من نوعه الذي يعمل بالوقود الصلب. للعلم: صُمم الصاروخ الصيني M-7 في الأصل استنادا إلى صاروخ أرض-جو السوفيتي S-75.
فاتح-110: هو صاروخ باليستي قصير المدى متحرك فهو مثبت على المركبات ويعمل بالوقود الصلب. يرجح أنه نسخة معدلة من صاروخ زلزال-2 غير الموجه مع إضافة أنظمة تحكم وتوجيه. رغم أن برنامجه يتمركز في إيران إلا أن الصاروخ يتضمن مكونات من مقاولين صينيين.
صواريخ فاتح 110 خلال عرض عسكري في طهران. إيران في 22 سبتمبر/أيلول 2010.
صواريخ فاتح 110 خلال عرض عسكري في طهران. إيران في 22 سبتمبر/أيلول 2010. © أ ف ب.
فاتح-313: صاروخ قصير المدى يعمل بالوقود الصلب وهو نسخة مطورة من سلسلة صواريخ فاتح-110. يتميز بمدى موسع يصل إلى 500 كيلومتر ودقة مُحسّنة. من المرجح أن إيران استخدمته في هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق في 8 يناير/كانون الثاني 2020، انتقاما لمقتل قاسم سليماني. كشفت عنه إيران لأول مرة في أغسطس/آب 2015.
قيام-1 (انتفاضة-1): هو صاروخ باليستي قصير المدى يعمل بالوقود السائل، طوّرته ونشرته إيران. عبارة عن نسخة محلية الصنع من صاروخ شهاب-2 الباليستي قصير المدى. لا يحتوي عكس أنواع سكود الإيرانية الأخرى على زعانف ذيل خارجية بل على رأس حربي منفصل. استخدمته إيران في عمليات قتالية خلال مناسبات متعددة منذ 2017.
ذو الفقار (دزفول، قاسم): هو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى يعمل بالوقود الصلب من عائلة فاتح. كشف عنه وزير الدفاع الأسبق حسين دهقان في 2016، ويبلغ مداه 700 كيلومتر. في يونيو/حزيران 2017 قيل إنه استُخدم لضرب أهداف في سوريا. في 25 سبتمبر/أيلول 2016 أعلت إيران عن تطوير صاروخ ذو الفقار.
سجّيل: هو صاروخ باليستي متوسط المدى ثنائي المرحلة يعمل بالوقود الصلب صُمم وصنع محليا في إيران. بدأ تطويره على الأرجح في أواخر التسعينيات، لكنه ينبع مباشرة من الصواريخ الإيرانية السابقة وأبرزها صاروخ زلزال الباليستي قصير المدى.
الحرس الثوري يعرض أنظمة صواريخ "سجيل" أمام ضريح آية الله الخميني على مشارف طهران في 21 سبتمبر/أيلول 2024.
الحرس الثوري يعرض أنظمة صواريخ "سجيل" أمام ضريح آية الله الخميني على مشارف طهران في 21 سبتمبر/أيلول 2024. © أسوشيتد برس.
عماد (نسخة شهاب-3): طوّرت إيران نسخا مختلفة من صاروخ شهاب-3 الأصلي، أشارت إليها مصادر استخباراتية وإعلامية مختلفة بأسماء: شهاب-3أ، شهاب-3ب، شهاب-3د، شهاب-3م، قدر-1، قدر-1، وعماد. كما استُخدم شهاب-3 كأساس لبرنامج إيران الفضائي، وأُطلقت على هذه الصواريخ أسماء: كافوشغر-1، وإيريس، وسفير.
شهاب-3: هو صاروخ باليستي متوسط المدى يعمل بالوقود السائل ويمكن تحريكه على الطرق. يجسد أول نجاح لإيران في امتلاك وتطوير صاروخ باليستي متوسط المدى ما يمنحها القدرة على تهديد أهداف (مثل إسرائيل) تقع خارج مدى مرماها المباشر. يبلغ مداه حوالي 1300 كيلومتر.
خرمشهر: هو صاروخ باليستي إيراني متوسط المدى يعمل بالوقود السائل. من المرجح أنه مشتق من صاروخ موسودان (BM-25) الكوري الشمالي. أجرت إيران أول اختبار لإطلاقه في يناير/كانون الثاني 2017، وعرضته علنا لأول مرة خلال عرض عسكري في سبتمبر/أيلول 2017 بطهران. يبلغ مداه المعلن 2000 كيلومتر.
في نفس الإطار، أوضح العميد المتقاعد رزق الخوالدة خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية من عمان، بأن الصواريخ الباليستية والفرط صوتية الإيرانية "كانت العامل الأهم على مواجهة قدرات إسرائيل في الوصول إلى الأجواء الإيرانية وضرب أهدافها. لولاها، ما كان لإيران أن تصل إلى إسرائيل أو أن تؤثر على المعادلات بين الرد والرد الآخر". وتوقع الخوالدة في تصريحات لفرانس24، بأن تستمر الضربات الصاروخية الإيرانية مؤكدا: "من الصعب القضاء عليها". لكن ينبغي على إيران ضمان استمرار "القدرات التصنيعية والمستودعات والبنية التحتية" لتأمين مخزونها.
هل أضعفت الضربات الإسرائيلية قوة إيران الصاروخية؟
هل تواجه هذه الترسانة الصاروخية خطرا متفاقما بسبب المواجهة الحالية؟ يشرح معهد دراسات الحرب (ISW) ومقره واشنطن في آخر تقرير نشره الأربعاء، بأن الغارات الإسرائيلية منذ 12 يونيو/حزيران وخصوصا على غرب إيران، أدت إلى إضعاف قدرة طهران على شن الهجمات من تلك المنطقة، وأجبرتها على نقل قواتها إلى وسط البلاد. وأضاف التقرير، بأن ذلك "منع إيران من إطلاق الصواريخ الباليستية من أصفهان ما يعني عدم قدرتها على استخدام ثلاثة صواريخ باليستية متوسطة المدى"، مشيرا إلى أن "الصواريخ الباليستية حاج قاسم (مداه 1400 كيلومتر) وفتاح (مداه 1400 كيلومتر) وخيبر شكان (مداه 1450 كيلومتر) لا يمكنها الوصول إلى إسرائيل من أصفهان (1600 كلم من إسرائيل) بسبب مداها الأقصر".
يوضح العميد المتقاعد رزق الخوالدة بأن المشروع الصاروخ الإيراني تطور كثيرا في العقود الأخيرة رغم العقوبات الغربية. وهو يقول إن "مشروعها الصاروخي ساهم في امتلاكها وتصنيعها للصواريخ الفرط صوتية التي بلغت العمق الإسرائيلي، وشكّلت العامل الأهم في قدرات مواجهة الهجوم الإسرائيلي خصوصا في ظل عدم قدرة دفاعات إيران الجوية على مواجهة الطائرات الإسرائيلية".
وتشير التقديرات الأمريكية والإسرائيلية إلى أن إيران كانت تمتلك حوالي 2000 صاروخ قبل الهجوم الإسرائيلي، بما فيها متوسطة المدى التي يمكنها الوصول إلى إسرائيل، والقصيرة أو القريبة المدى التي يمكنها ضرب القواعد الأمريكية في الخليج. وأشارت تقارير غربية إلى أن إيران تعمل على توسيع قدرتها الصناعية لإنتاج المزيد من الصواريخ، وفق معهد دراسات الحرب.
ومن المرجح أن يكون الجيش الإسرائيلي قلّل من قدرة إيران على شن هجمات بالصواريخ الباليستية، حيث أفاد الثلاثاء بأنه دمر حوالي نصف قاذفات الصواريخ الباليستية الإيرانية أي أكثر من 200 قاذفة. وقال الإثنين إنه دمّر ثلثها أي حوالي 120 قاذفة صواريخ. كما قدّر أنه دمر ما بين 35 و45 بالمئة من مخزون الصواريخ الباليستية.
يضيف معهد دراسات الحرب، بأن إسرائيل قصفت قاعدة صواريخ تقع جنوب غرب تبريز، تخزن صواريخ من طراز شهاب. كما قصفت القاعدة الجوية التكتيكية الثانية التابعة لسلاح الجو أرتيش في تبريز والتي تخزن صواريخ أرض جو من طراز SA-6 Gainful. وقال إن "صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن الضربات ألحقت أضرارا بقاعدة صواريخ باختران (بنج بله) تحت الأرض في كرمانشاه التي تخزن صواريخ باليستية من طراز قيام-1 وفاتح-110، وموقع غدير التابع للحرس الثوري في طهران قد يكون مرتبطا بدمج صاروخي خيبر شيكان وفاتح".
يضيف الخوالدة أن الصواريخ الإيرانية هي بمثابة "العمود الفقري لقدرتها ومجهودها الحربي على المدى المنظور وقد تمنحها قدرات أفضل في أي مفاوضات دبلوماسية لفض النزاع ووقف الحرب". ويشرح الخبير العسكري الأردني بأن استمرار القدرات الإيرانية في إطلاق هذه الصواريخ يعتمد على عدة عوامل، أبرزها:
العامل البشري والفني المدرب: تمكن من إدامة التصنيع المتقدم في إيران وكذا لصالح الجماعات الموالية لها بالمنطقة. لذلك فإن العامل الفني الإيراني يعتبر متقدما.
المخزون الاستراتيجي: من هذه الصواريخ ومن منصات الإطلاق ومستودعات المواد الأولية أو المحركات أو وسائل التوجيه المتوفرة.
يضيف معهد دراسات الحرب بأن وابل الصواريخ الإيرانية الأخير هو أصغر من هجمات 2024. ففي تلك الضربات أطلقت إيران حوالي 200 صاروخ باليستي على دفعتين، بينما أطلقت ما بين 30 إلى 40 صاروخا في كل دفعة الإثنين، على سبيل المثال، ثم أطلقت 20 صاروخا في أكبر دفعة لها وصاروخين في أصغر دفعة لها الثلاثاء، ما يعكس حسب نفس المصدر تراجعا في قدراتها من الصواريخ الباليستية.