حالة طلاق كل 9 دقائق في السعودية.. ومختصون يسردون الأسباب

عربي ودولي
قبل يوم 1 I الأخبار I عربي ودولي

كشفت بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء ، عن ارتفاع ملحوظ في أعداد عقود الزواج وصكوك الطلاق المسجلة في المملكة العربية السعودية.

وأشارت إلى تسجيل ما يزيد على 57,595 حالة وهو ما يعادل وقوع 157 حالة يوميًا، وبمعدل حالة طلاق واحدة كل تسع دقائق، بحسب آخر الإحصاءات، المستندة إلى السجلات الإدارية لوزارة العدل السعودية.

 

وأوضح مختصون اجتماعيين ونفسيين أن هذه الظاهرة المتنامية تعود إلى جملة من الأسباب المتشابكة، يأتي في مقدمتها غياب الثقافة الزوجية السليمة، إلى جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والخيانة، وسوء المعاملة، وتراكم الخلافات دون إدارتها بحكمة.

كما أشاروا إلى أن العنف الجسدي واللفظي، ومعاناة أحد الزوجين من اضطرابات سلوكية أو نفسية، تلعب دوراً محورياً في تصدع العلاقات الزوجية.

ظاهرة الطلاق

أكد خبير العلاقات الإنسانية الدكتور عبدالعزيز آل حسن أن كثيرًا من الأزواج يدخلون الحياة الزوجية دون وعي كافٍ بمتطلباتها ومسؤولياتها، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اصطدامهم بواقع مختلف تمامًا عن الصورة الوردية التي رسموها خلال فترة الخطوبة.

وأوضح أن هذه الفجوة غالبًا ما تكون سببًا رئيسيًا في ظهور المشكلات واندلاع الخلافات التي قد تقود إلى طلاق مبكر، سواء نتيجة ضغوط مالية، أو تعنتات شخصية، أو جهل في أساليب التعامل مع شريك الحياة، أو بسبب التدخلات الأسرية في تفاصيل العلاقة الزوجية.

وأضاف أن الطلاق قد يحدث أيضًا في مراحل متأخرة بعد سنوات من العشرة المشتركة، نتيجة الإهمال والفراغ العاطفي، والشعور بالملل والرتابة، وتغير الاهتمامات، فضلًا عن التأثر بالمحتوى الإعلامي الهابط الذي يروّج للطلاق باعتباره الحل الوحيد لأي خلاف زوجي.

مؤشرات تستدعي الانتباه

وأشار آل حسن إلى أن هناك مؤشرات واضحة يمكن من خلالها التنبؤ بوقوع الطلاق بين الزوجين، أبرزها الصمت المستمر، وغياب الاحترام المتبادل، والتجاهل، وعدم تحمل المسؤولية، والعزلة الاجتماعية، وضعف الرغبة في الشريك، والانشغال المفرط بالتقنية ومواقع التواصل الاجتماعي.

 

وشدد على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب القيام بخطوات معرفية وتطبيقية للحفاظ على استقرار الأسرة واستمراريتها، والابتعاد عن خيار الطلاق إلا بعد استنفاد جميع الحلول الممكنة.

 

وبيّن أن من أهم هذه الخطوات تعظيم مكانة شريعة الله وما ورد في القرآن الكريم من آيات حول الزواج والارتباط والميثاق الغليظ، إضافة إلى تهيئة أسرة الزوجين قبل الخطبة والعقد من خلال الإرشاد والتثقيف الأسري.

 

وكذلك تشجيع الشباب على الالتحاق بالبرامج التدريبية والدورات وورش العمل التي تُسهم في إعدادهم للحياة الزوجية ومساعدتهم على تجاوز الخلافات وتعزيز الاستقرار الأسري.

 

كما دعا إلى تفعيل دور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في نشر الوعي الأسري من خلال الخبراء والمختصين في مجال العلاقات الزوجية والإنسانية، بما يعزز ثقافة التفاهم والتعايش بين الأزواج، ويُسهم في خفض معدلات الطلاق في المجتمع.

أزمات أسرية

 

من جهته، حذر الاختصاصي الاجتماعي، جعفر العيد، من أن الأرقام المتصاعدة لحالات الطلاق في المملكة تتجاوز كونها مجرد أزمات أسرية فردية، لتصبح مؤشراً خطيراً على تآكل الروابط وتصدع النسيج الاجتماعي، الأمر الذي يستدعي تحركاً مجتمعياً شاملاً لاحتواء آثاره المدمرة.

 

ويرى العيد أن النظرة للمشكلة يجب أن تتسع لتشمل أبعادها الاجتماعية العميقة، موضحاً أن أحد أبرز المسببات هو الفجوة بين الواقع والتوقعات التي ترسمها وسائل التواصل الاجتماعي. فهذه المنصات، بحسب رأيه، تروج لنمط حياة استهلاكي وغير واقعي، وتخلق صورة وهمية للزواج المثالي الخالي من المسؤوليات والتحديات، وعندما يصطدم الشباب بالواقع العملي للحياة المشتركة، يحدث الصدام الذي يقود إلى الانهيار السريع.

 

التأثير على الأطفال

وشدد العيد على أن الآثار لا تقتصر على الزوجين، بل تمتد لتضرب أساس المجتمع عبر التأثير على التنشئة الاجتماعية للأطفال.

 

فالأطفال الذين ينشأون في بيئة أسرية مفككة قد يواجهون صعوبات في تكوين فهم سليم ومستقر لمفهوم الأسرة، ما قد يؤثر على علاقاتهم المستقبلية ويساهم في استمرار دائرة عدم الاستقرار الأسري لأجيال قادمة.

 

ودعا الاختصاصي الاجتماعي إلى تفعيل دور المسؤولية الجماعية لمواجهة هذه الظاهرة، مؤكداً أن حماية الأسرة ليست مهمة الزوجين وحدهما، بل هي مسؤولية تمتد لتشمل الأسرة الممتدة، والمؤسسات المجتمعية، والمراكز الإرشادية، وحتى وسائل الإعلام.

 

وطالب بضرورة إحياء دور كبار العائلة والعقلاء في المجتمع ليكونوا صمام أمان ومرجعية حكيمة للزيجات الشابة قبل وصول الخلافات إلى طريق مسدود.

وأكد على أن الحل يكمن في التحول من التعامل مع الطلاق كفعل شخصي إلى اعتباره قضية مجتمعية، تستلزم تكثيف برامج التوعية التي تعزز مفهوم الزواج كميثاق قائم على المودة والرحمة والمشاركة، وليس مجرد علاقة عابرة، وذلك لضمان الحفاظ على تماسك المجتمع واستقراره.

غياب الثقافة الزوجية

وأكد الأخصائي النفسي والمدير التنفيذي لمجموعة ”أصدقاء تعزيز الصحة النفسية“، فيصل العجيان، أن غياب الثقافة الزوجية الشاملة يمثل السبب الجذري لمعظم حالات الطلاق في المملكة، مشدداً على أن الحل يبدأ من التوعية والتأهيل قبل الارتباط.

 

وأوضح أن عدم التواصل الفعّال والتكافؤ بين الزوجين على الصعيد الثقافي والفكري والتعليمي، يخلق فجوة تتسع مع مرور الوقت وتؤدي حتماً إلى الخلاف.

 

مضيفا أن أسبابًا أخرى مثل سوء العشرة، وتقصير أحد الطرفين في واجباته، والخيانة الزوجية، أو معاناة أحدهما من اضطرابات نفسية، تساهم جميعها في تصدع العلاقة.

دورات وندوات تثقيفية

ودعا إلى ضرورة حضور الشباب والفتيات المقبلين على الزواج دورات وندوات تثقيفية متخصصة، بهدف تزويدهم بفهم عميق لطبيعة الحياة الزوجية وحقوق وواجبات كل طرف. 

 

واعتبر أن هذه الخطوة الاستباقية كفيلة ببناء أساس متين من المعرفة والدراية يقي الزواج من الانهيار مستقبلاً. وللأزواج الذين يواجهون صعوبات، قدم العجيان حزمة من النصائح العملية، في مقدمتها التحلي بالمرونة في التعامل، والمبادرة بالصلح، والتركيز على حل الخلاف القائم بدلاً من توسيعه.

 

كما شدد على أهمية تجنب النقاشات الحادة أثناء الانفعال، والابتعاد عن إدخال أطراف خارجية في المشاكل الزوجية إلا في حالات الضرورة القصوى، حينها يمكن اللجوء إلى حكماء من العائلتين. نظام الأحوال الشخصية وقبل اتخاذ القرار النهائي بالانفصال، نصح العجيان بالتريث والحكمة، وتجنب التلفظ بكلمة الطلاق في لحظات الغضب. ودعا إلى الاستخارة، والنظر في إيجابيات العلاقة وسلبياتها بعقلانية، مع التركيز على المواقف الإيجابية بين الزوجين. وأخيراً، الأخذ برأي العقلاء وأهل الحكمة قبل الإقدام على هذه الخطوة المصيرية، مشيراً إلى أن نظام الأحوال الشخصية في المملكة قد نظم كافة الأحكام المتعلقة بالطلاق في فصل مستقل وواضح. ونصح العجيان بضرورة التأني في اختيار شريك الحياة، والتركيز على أسس الاحترام المتبادل، والشعور بالأمان، والدعم المتبادل بين الطرفين، والتوافق الفكري والاجتماعي. وأكد على أهمية الكشف النفسي قبل الزواج لتجنب المشكلات المستقبلية التي قد تنشأ عن أمراض نفسية غير معلنة، داعيةً إلى وضع توقعات واقعية عن الحياة الزوجية والاستعداد لتقديم التنازلات من أجل إنجاح العلاقة.

أكثر المشكلات انتشارًا

أكدت المحامية وجدان الزهراني أن الطلاق يُعد في الوقت الراهن من أكثر القضايا الاجتماعية انتشارًا، مشيرةً إلى أن أبرز أسبابه تتمثل في غياب الثقافة الزوجية، وسوء المعاملة وعدم التقدير، إضافة إلى العنف الجسدي واللفظي، وتراكم الخلافات وعدم إدارتها بشكل سليم، فضلًا عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، ومعاناة أحد الزوجين من أمراض نفسية أو اضطرابات سلوكية.

 

وأوضحت الزهراني أن محاكم الأحوال الشخصية تشهد العديد من القضايا المرتبطة بخلافات الآباء بعد الطلاق، خصوصًا ما يتعلق بتهرّب بعضهم من مسؤولياتهم تجاه الأبناء، والإخلال بالواجبات المادية كدفع النفقة، أو التعنت بمنع أحدهم الآخر من زيارة أبنائه.

 

وبيّنت أن هذا السلوك يجرّمه نظام حماية الطفل ونظام التنفيذ، حيث تفرض العقوبات على الممتنعين عن الالتزام بالأحكام القضائية الصادرة بالنفقة أو الزيارة، كما نصّت المادة الرابعة والسبعون من نظام التنفيذ على أن حكم الزيارة يُنفذ جبرًا حتى ولو استدعى الأمر الاستعانة بالشرطة.

 

كما نصّت المادة الثانية والتسعون من النظام ذاته على فرض عقوبة السجن لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر بحق أحد الوالدين أو غيرهما ممن يمتنع عن تنفيذ حكم الزيارة أو الحضانة، أو يقاوم التنفيذ، أو يعطله.