من رحم الجغرافيا القاسية، حيث تتعانق القمم الشامخة مع سكون عقودٍ من الحرمان، انبثق فجر إنجازٍ لا يشبه سواه في منطقة الحقل بمديرية الأزارق.
ليست هذه قصة طريق تُشق فحسب، بل ملحمة إرادة مجتمعية خارقة، سَطّرتها سواعد رجال لم ينتظروا إذناً رسمياً أو ميزانية حكومية، بل استنفروا نخوتهم ليسحبوا شريان حياةٍ من صمت الصخر، مُعيدين رسم خريطة الأمل بعرق الجباه.
تجسدت الإرادة الخالصة لأبناء الحقل وجبل بن عواس في قصة تليق بصفحات المجد، إذ قرروا تحويل العزلة القاسية التي ضربت أطنابها حول قراهم إلى وصلٍ مستدام.
لقد نهض هؤلاء الرجال وكأنهم يخطّون قصيدة وطنية من العرق والإصرار، لإنجاز مشروع شق طريقٍ حيوي يبدأ من عباب مروراً بمكلس وعمقة في الحقل وصولاً إلى جبل بن عواس، ثم الشروع في التحدي الأكبر: شق نقيل مسواد الوعر إلى منطقة تورصة، ذلك الموضع الذي كان يُظن أنه عصيّ على كل حركة.
هذا الطريق الذي اختصر العناء، وقرّب المسافات بين القرى وغيل تورصة، لم يكن مجرد مسارٍ جغرافي، بل شريان حياة يربط الحاضر بالمستقبل، ويُضيء دروب الأهالي في منطقةٍ أنهكها الغياب والتعب.
لقد تحوّل ما كان يُعدّ مستحيلاً بالأمس إلى واقعٍ يلامس الحلم، حتى باتت السيارات تصل إلى مواضع كانت حِكراً على الأقدام المتعبة
"خيمة مكلس".. قلعة الإرادة وذاكرة المجد
على قارعة هذا الإنجاز التاريخي، تنتصب "خيمة مكلس"، ليست مأوى عابراً، بل رمزاً للإصرار ومنارةً للإرادة.
هي غرفة عمليات مفتوحة يديرها رجال من ذهب: مشايخ، وجهاء، شباب وقيادات ميدانية، يبيتون فيها ويتناوبون على العمل، لا يشغلهم سوى الحجارة التي يجب أن تُزاح والمنعطفات التي يجب أن تُفتح.
في مشهدٍ يفيض بالعزّة، يُحمل إليهم الطعام والشراب على الأكتاف، فيما تبقى قلوبهم معلّقة بإنجازٍ يليق بتاريخهم.
هناك، في "خيمة مكلس"، تشعر أن روح الوطن ما زالت حية، وأن الإرادة الجمعية قادرة على تحريك الجبال وتغيير الواقع.
نداء إلى الدولة: هذا الإنجاز كنز وطني لا يُقدّر بثمن
إن هذه الملحمة المجتمعية الفريدة، التي أعادت تعريف معنى القيادة القائمة على خدمة الأرض والإنسان، يجب ألا تُترك لجهود الأهالي وحدهم.
فهذا الطريق لا يمر على تضاريسٍ وعرة فقط، بل على أحلام الناس وتطلعاتهم، ويعيد وصل ما فرّقته العزلة.
ويقع على عاتق السلطة المحلية والقيادة والمجلس واجب وطني وأخلاقي لتبني هذا المشروع، والرفع به إلى الجهات المختصة والمنظمات المانحة لتأمين التعبيد والسفلتة.
إن الأزارق، التي كانت دوماً ذخراً للوطن وعزّاً للقيادة، تستحق أن تُكافأ بالفعل لا بالقول.
يجب أن يُخلّد إنجاز أبنائها النبلاء، وأن يُعبد طريقهم الذي كتبوا به قصة كفاحٍ وكبرياءٍ تُروى للأجيال، قصة رجالٍ جعلوا من الصخر حليفاً، ومن الحلم واقعاً يضيء جبال الأزارق بالأمل.






