شهدت مدينة عدن خلال اليومين الماضيين واحدة من أكثر عمليات العبث والفوضى في سوق الصرف، كان أبطالها ثلاثة أطراف: كبار الصرافين، البنك المركزي، والإعلام المضلل. وكانت النتيجة كارثية على معاشات العسكريين ومدخرات آلاف الأسر.
قام الصرافون بخفض سعر العملة الأجنبية بصورة مصطنعة، حتى وصل إلى 250 ريالًا يمنيًا مقابل الريال السعودي، وسط إشاعات إعلامية غرست في الناس وهمَ التراجع الكبير للعملة، وأنها ضمن الإصلاحات المخطط لها.
في الوقت نفسه التزم البنك المركزي الصمت، وبدا وكأنه يراقب المشهد ببرود دون أي تدخل أو توضيح. وبعد أن اكتملت اللعبة، خرج البنك بقرار صادم: "إن كل ما تم شراؤه من العملات الأجنبية هو ملك للبنك المركزي"!
تكشف هذه الحادثة هشاشة المؤسسات النقدية وتداخل مصالح هوامير الفساد؛ فالذين لعبوا بسوق الصرف طوال السنوات الماضية برفع سعر العملة الأجنبية، هم أنفسهم الذين تلاعبوا به خلال اليومين الماضيين ولكن بطريقة معكوسة. وفي الحالتين كان الضحية هو المواطن البسيط، وإلى الان لا توجد أي ضمانات لعدم عودتهم إلى العبث بسوق الصرف مستقبلًا.
إن أي إصلاح نقدي لن يصمد ما لم يكن جزءًا من إصلاح سياسي واقتصادي شامل يعيد بناء مؤسسات الدولة: الرقابية والتشريعية والقضائية والأمنية، ووفق رؤية وطنية لا مجرّد استجابة لعصا خارجية قد تتوقف حين تنتهي مصلحة صاحبها (ولنا مع هذه الفقرة حديث آخر). فقد أثبتت التجربة أن الاقتصاد والسياسة صنوان لا ينفصلان.